rozlene
عدد المساهمات : 141 تاريخ التسجيل : 31/01/2011
| موضوع: قصة قصيرة الإثنين ديسمبر 12, 2011 8:13 am | |
| Salem Aeshan
قصة قصيرة بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) غزة الصمود والمحبة
++++++++++++++ (( الهليـون ))
" الهليون " هو تلك النبتة اللينة الطرية ، التي يتفنن الكثيرون بطبخها وبطرق مختلفة مع إضافة عناصر غذائية أخرى متباينة . ليس هذا هو ما أقصده هنا بالطبع ، بل أنا أقصد " الهليون " الآخر .. الإنسان وليس النبات .. نعم .. إنه " الهليون " الرجل . عرفت " الهليون " .. الرجل بالطبع منذ أكثر من أربعة عقود خلت .. كان ذلك في نهاية الستينات على وجه التقريب . " الهليون " كان رجلاً غريباً مميزاً ، لم يكن متزوجاً ، ولم يكن له أبناء أو بنات بالطبع . ولم تكن له عائلة أو أهل .. الرجل كان " مقطوع من شجرة " كما يقولون . بيته المتواضع يتكون من حجرة واحدة صغيرة ، هناك مرافق ملحقة بها متواضعة جداً ، الحجرة مسقوفة بـ " القرميد " .. تقع وسط مخيم الشاطئ بغزة من الناحية الغربية .. قريباً من " حسبة السمك " بالمخيم . الرجل في حد ذاته كان غريب الأطوار .. تخصص في " نزح المجاري " لدورات المخيم المتواضعة , لم تكن هناك شبكة صرف صحي بالمخيم في تلك الآونة ، كان السكان يقومون بعمل دورات مياه متواضعة في ركن منزوٍ من منازلهم ، وذلك بعمل حفرة امتصاصية صغيرة نسبياً من الحجارة .. البراميل القديمة .. وأشياء أخرى .. فإذا ما امتلأت الحفرة بالمخلفات والإفرازت الآدمية ، وجب تفريغها من تلك المحتويات وبشكل بدائي . " الهليون " هو الذي كان متخصصاً بمثل تلك المهمة ، والذي كان يلبي النداء بسرعة خارقة ، فيحمل أدواته المعهودة , " الجاروف " ، والجردل البلاستيكي أو المصنوع من الألمنيوم الذي يربط به حبلاً طويلاً بعض الشيء ، و " طورية " ضخمة من ماركة " التمساح " , وبعض الملحقات الأخرى اللازمة كأدوات لإنجاز المهمة . يشمر الرجل عن ساعديه وقدميه ويبدأ في القيام بحفر حفرة جديدة بهمة ونشاط إلى جانب حفرة البئر الممتلئ فإذا ما تم له ذلك , قام بفتح البئر الممتلئ وإفراغ محتوياته من المخلفات من غائط ومياه آسنة ، يقوم بإفراغها في الحفرة الجديدة ، فإذا ما أتم ذلك ، انتظر لبعض الوقت حتى تمتص الحفرة الجديدة بعض المخلفات المائية ، ثم يأخذ في إهالة التراب الجاف عليها ليردمها . هذا العمل الشاق المضني ، التعيس بكل المقاييس ، كان " الهليون " يقوم به بلا ملل أو ضجر , ودون أن يثرثر أو يدندن , كان يقوم بعملة بهمة ونشاط غريبين وبصمت عجيب ، دون أن يرد على أسئلة صاحب العمل ، فهو يعرف فنيات عمله وبشكل متقن لطول الممارسة العملية ، ولأنه قويّ البنية بشكل ملفت للنظر . إذا ما انتهى من تأدية عمله وبشكل تام ، قام بغسل يديه ورجليه وبشكل مؤقت وإزالة ما علق بها من أوساخ وقاذورات , وقف للحظات ينتظر أجرة العمل الشاق دون أن ينبس ببنت شفه . إذا كان صاحب العمل يعرف شكل الأجرة الواجب دفعها لـ " الهليون " , فإنه يقوم بذلك فوراً .. وإذا لم يكن يعرف ذلك فإنه يسأل " الهليون " عن الأجر , أو قد يتصرف بطريقة ذاتية في الأمر . أياً كان الأمر في النهاية , فإن أجرة العمل التي يتقاضاها " الهليون " من الجميع بلا استثناء هي تسعيرة موحدة . " ليرة " واحدة.. وزجاجة كولونيا " خمس خمسات " ، وقطعة صابون " لوكس " . هذه هي الأجرة التي يتقاضاها من الجميع عن القيام بالعمل لديهم وكأنها " دمغة " موحدة لكل الزبائن ، لا تزيد ولا تنقص بأي حال من الأحوال . فإذا ما تناول الأجرة بالكامل بشكلها النقدي والعيني ، غادر المكان وهو يتمتم ببضع كلمات غير مفهومة ؟؟!! . إذا ما اتجه لمنزله المتواضع بعد ذلك ، فإنه يقوم فوراً بالطقوس المعتادة التي دأب عليها .. يخلع ملابس العمل التي كان يرتديها والتي تكون قد اتسخت أو أصيبت بشيء من المخلفات أثناء العمل ، فيقوم بغسلها جيداً بنفسه ، ثم يقوم بالاغتسال بشكل جيد مستعملاً قطعة الصابون " اللوكس " الشهيرة .. ليقضي عليها عن آخرها , ثم يرتدي ملابس أخرى على درجة عالية من النظافة , ويتعطر بزجاجة الكولونيا " خمس خمسات " ، ويرشها على وجهه وجسده بالكامل ، ولا يبق منها قطرة واحدة؟؟!! . فإذا ما أتم طقوس الاغتسال الطويل الطويل , وأدى طقوس الصابون والكولونيا , وبعد أن يكون قد ارتدى بعضاً من الثياب الفاخرة , ووضع فوقها " القمباز" الحريري المقصب والمذهب و " الشروال " الطويل ، وغطى رأسه بكوفية طويلة غريبة قام بلفها حول رأسه بطريقة أكثر غرابة .. ولا بأس أن يضيف شيئاً من " الكحل " يضعه في عينيه الواسعتين الزرقاوتين فتزيدها اتساعاً وجمالاً .. ثم يخرج في موكبه المهيب الغريب إلى شوارع الحيّ ، مختالاً , يتبختر في مشيته بشكل غريب , بمشية تقارب مشية " البطة " أو " ديك الحبش " تيهاً ودلالاً وتبختراً . الرجل " الهليون " يومها كان في العقد السادس من عمره ، قوي البنية بشكل ملفت للنظر .. أبيض البشرة يميل إلى الحمرة ، يميل إلى طول القامة أكثر منه إلى القصر ، ممتلئ الجسم ، أزرق العينين واسعها.. يسير بشكل غريب .. كمشية البطة المدللة .. يدفع بصدره بقوة إلى الأمام .. ويدفع مؤخرته الضخمة بقوة على الوراء , وبشكل ملفت للنظر .. مضحك , فينبري الشباب والرجال والأطفال لممازحته ومداعبته ومشاغبته بشتى العبارات والكلمات , متندرين على مشيته الغريبة , بينما يأخذ البعض بتقليد مشيته الغريبة بحركات مفتعلة مضحكة . يرتفع صوت أحدهم مجلجلاًً مصاحباً للحركات الصاخبة .. - البطة وصلت .. " ديك الحبش " وصل .. يصرخ آخر معقباً : - " هليون " .. ارحل من هون .. فيدمدم الرجل " الهليون " بكلمات مبهمة غامضة ، والتي هي بلا شك عبارات استنكار وكلمات شتائم وسباب . إذا ما مل " الهليون " السير في الطرقات والأزقة , من أجل الترويح عن النفس بقدر الإمكان واستعراض مشيته الغريبة ،أو من أجل قضاء بعض الحاجيات الضرورية ، لشراء ما يلزمه من محلات البقالة المنتشرة في المخيم , أو لشراء بعض الخضار والفواكه الطازجة من سوق المخيم القريب من مكان سكناه . إذا ما انتهى من كل ذلك .. وضع أحماله داخل منزله المتواضع , ثم لا يخرج منه إلا عند قدوم أول طارق جديد يستدعيه للقيام بالعمل . في بعض الأحيان ، كان يخرج ليجلس تحت أشعة الشمس الدافئة خاصة في أشهر الشتاء القارص ، فيجلس أمام باب بيته على مقعد متواضع " كرسي " مصنوع من الخشب وقاعدته من القش المحلي الصنع ، والذي هو " كرسي " عادي بدون " ظهر " يستند عليه بظهره , وبدون ركائز لليدين ، فيجلس جلسة معتدلة ولا يلبث الأطفال والصبية الصغار أن يتقاطرون من حوله .. صائحين بمرح وسرور: - " الهليون " .. الهليون " .. " الهليون " .. فلا ينهرهم الرجل ولا يزجرهم .. بل يصافح هذا ، ويداعب ذاك ، ويلاطف ثالث , ويقول لهم ضاحكاً ممازحاً : - إنت يا ولد تعال هون .. وانت كمان تعال هون. .. ثم يخرج من أحد جيوبه العديدة بعض القطع من الحلوى والملبس والشوكلاتة زهيدة الثمن ، فيناول هذا شيئاً ، وذاك بعضاً ، وثالث جزءاً .. بينما يتمتم بعبارته الشهيرة التي ما فتيء يرددها دوماً : - كلوا .. هذا من خير أهلكم ؟؟؟!!! ذات مرة احتاج بئر الدورة الذي يقع في بيتنا إلى تفريغ .. .. امتلأ عن آخره وكان لزاماً علينا والحال كذلك إسناد المأمورية لشخص ذو دراية بمثل هذه الأمور . ومن غير " الهليون " لها ؟؟!! توجهت ناحية منزل الرجل .. طرقت الباب الخارجي عدة مرات وأنا أتمتم بصوت خافت : - عمي " الحاج " .. عمي " الهليون " .. كررت النداء عدة مرات بصوت أخذ في الارتفاع التدريجي .. بعد فترة لا بأس بها , أطل الرجل من الباب الخارجي .. سألني عما أريد .. أخبرته بأنني أريد منه أن يقوم بعمل اللازم لدورة المياه خاصتنا بعد أن امتلأ البئر عن آخره . أشار لي بيده أن أنتظر قليلاً .. فانتظرت . بعد لحظات ليست باليسيرة .. خرج الرجل وقد ارتدى ملابس العمل ، وقد حمل " الجاروف " و " الجردل " و " الطورية " الضخمة من ماركة " التمساح " وبعض الأدوات الأخرى اللازمة لإتمام العمل .. خرج الرجل .. قمت بمصافحته .. صافحني بيده الخشنة بقوة غريبة .. شعرت بأنه يملك قوة غير معقولة ؟؟!!.. أقفل باب منزله .. هتف بصوت منخفض : - هيا بنا . سرت إلى جانبه متجهين ناحية منزلي ، لم تكن المسافة قصيرة .. وعليه .. كانت " الزفة " طويلة !!! كل من كنا نمر عليه كان يرفع عقيرته بالنداء الممزوج بالابتسامات والضحكات المجلجلة : - " الهليون " .. الهليون " .. هذا يمازحه .. وذاك يداعبه .. . " الهليون " بدوره لم يكن يرد على أحد منهم .. بل كان يكتفي بالهمهمة والدمدمة الغير مفهومة ، بينما كان يسير دون أن يلتفت نحو أحد .. ومشيته الغريبة التي تشبه مشية البطة أو " ديك الحبش " تفعل وتنشط جو الحبور والسرور السائد .. فيسعد الجميع .. يتضاحكون .. يقهقهون . بدوري ، لم أشعر بحاجة للحديث مع الرجل ، فلقد لاحظت بأن به عزوفاً غريباً عن الحديث بأي كلمة , هو يريد فقط أن يقوم بالمأمورية , المهمة الملقاة على عاتقه بأسرع وقت ممكن . وصلنا المنزل .. أرشدته إلى مكان دورة المياه , ومكان البئر الممتلئ ، شمر الرجل عن ساعديه وعن قدميه .. بصق في يديه الخشنتين ؟؟!! تناول " الجاروف " و " الجردل " و " الطورية " الضخمة ..وبدا العمل بهدوء وصمت .. وبهمة ونشاط . جلست أراقب الرجل وهو يعمل بقوة ونشاط غريبين رغم تقدمه في العمر ، فهو في نهاية العقد السادس من عمره حسب ما قدرت . أنهى الرجل عمله .. أحضرت له بعض المياه ليغسل يديه وقدميه وأدواته .. رفض أن أساعده بسكب المياه , تناول إناء الماء وراح يقوم بالمهمة ذاتياً بهمة ونشاط يحسد عليهما . أنهى الرجل العمل .. والتنظيف ، كنت قد جهزت طعام الغداء .. أحضرته له .. أشاح بوجهه بعيداً .. رفض تناول أي طعام على الإطلاق .. حتى دون أن يعرف ماهيته ؟؟!! .. تملكتني الدهشة والغرابة لموقف الرجل .. وراحت آلاف علامات الاستفهام والتساؤل الضخمة تسيطر على كل حواسي . أنقدته بعض النقود كأجر عن العمل , أعادها لي واحتفظ بـ " ليرة " واحدة فقط .. راح يتمتم .. - هذا هو أجري فقط .. وأيضاً .. زجاجة كولونيا خمس خمسات .. وقطعة صابون " لوكس " فقط . سارعت لأقرب محل بقالة في الحيّ وابتعت له ما أراد ... تناولها الرجل وهو يتمتم بعبارات وكلمات مبهمة .. اعتقدت بأنها كلمات شكر ؟؟!! . في الكثير من الأوقات , كان يحلو للرجل " الهليون " أن يروح عن نفسه بالذهاب إلى شاطئ البحر لبعض الوقت .. فالرجل ليس له أهل أو أقارب ليقضي بصحبتهم بعض الأوقات للزيارة والترويح عن النفس . كان يتزين ويتعطر ويضع الكحل في عينيه ويمشي مشيته المميزة التي تشبه مشية البطة أو " ديك الحبش " ويتوجه ناحية شاطئ البحر .. أو نحو أحد " الكازينوهات " المنتشرة على شاطئ البحر . أكد الكثيرون بأن " الهليون " كان يدخل أحد " الكازينوهات " الشهيرة التي تقدم المشروبات الروحية , فيتناول زجاجة " ويسكي " من النوع الفاخر .. بعد أن يهمس في أذن صاحب " الكازينو" ببعض الكلمات وكأنه يوصيه على مشروبه المفضل لديه دوماً ؟؟!! , ثم ينقده ثمن الزجاجة ، فيجلس على المقعد الوثير تحت المظلة الكبيرة مطلاً على البحر , ويبدأ في ارتشاف الخمر من الزجاجة مباشرة بتلذذ غريب .. فإذا ما أتم مهمته الترويحية وعاد أدراجه إلى منزله المتواضع في المخيم الكبير وهو يدندن بالحان غريبة ويتمايل برأسه وجسده ومؤخرته الغريبة مقلداً حركات البطة الثملى السعيدة أو " ديك الحبش " منفوش الريش الزاهي ، ، وقد تأبط زجاجة خمر أخرى ابتاعها من الكازينو .. فيتجمع من حوله ومن خلفه العديد من الأطفال والصبيان .. يقلدون حركاته الغريبة في السير وهم يهللون ويتصايحون ويتضاحكون . الكثيرون يؤكدون أن " الهليون " كان يتسلل من منزله المتواضع خلسة عندما يرخى الليل سدوله .. وقد ارتدى أفخر الثياب وتعطر بأفخر العطور ، وخرج من بيته متجهاً ناحية شرق المخيم .. حيث منزل الراقصة الشهيرة .. " أنصاف " ؟؟!! أكد الكثيرون بأن " الهليون " كان يقضي الليل بطوله في بيت الراقصة يعاقر زجاجة الخمر الأخرى التي ابتاعها خصيصاً من صاحب الكازينو عندما كان في رحلة الاستجمام تلك على شاطئ البحر . تساءل الكثيرون عما يفعله " الهليون " في بيت الراقصة طوال الليل !! وهل هو يقضيها في معاقرة الخمر فحسب ؟؟ أم أن هناك أموراً أخرى مع صاحبة البيت ؟؟!! الكثيرون أكدوا بأن ليلته تلك لا يقضيها في معاقرة الخمر ومسامرة المرأة الراقصة ... بل هو يقضي الليل في معاقرة الخمر بالفعل .. ولكن في مسامرة ابنة الراقصة ؟؟!! . ابنة الراقصة فتاة جميلة بشكل كبير .. أكد الكثيرون بأنها ليست ابنتها الحقيقية .. بل هي ابنة بالتبني .. الفتاة جمالها أخاذ فتان يسبي العقول ويسحر الألباب . الفتاة صغيرة السن .. لم تتعد الثامنة عشرة من عمرها , لا تشارك الأم إقامة الحفلات الملاح .. بالرقص والغناء الماجن ، وجمع النقود والأموال . أكد الجميع بأن الفتاة الصغيرة تبقي في البيت وحيدة بعد مغادرة الأم المفترضة وذلك من أجل إقامة الحفلات ، ولا تفتح باب البيت لأي طارق مهما كانت صفته .. اللهم سوى " الهليون " ؟؟!! الكثيرون أوجدوا الأعذار للرجل المسن , فهو وحيد .. وغير متزوج .. وليس له أسرة أو أبناء أو عائلة ، ولعله كان يعوض كل هذه الأشياء بالإضافة إلى الحرمان والكبت الجنسي بزياراته المتعدد لبيت الراقصة وابنتها . رجل احتاج " الهليون " في مهمة عمل ، لأن بئر دورة المياه في منزله قد امتلأ عن آخره .. طرق الرجل الباب الخارجي لمنزل " الهليون " عدة مرات ، ثم غادر دون أن يرافقه " الهليون " لأداء المهمة ، إذ يبدو بأن " الهليون " كان نائماً أو أنه كان خارج المنزل . تكرر الأمر بالنسبة للرجل في اليوم التالي .. والثالث .. دون جدوى .. دق الرجل الباب بقوة .. وقد صمم على إحضار " الهليون " للقيام بالمهمة خاصة بعد أن أصبح الأمر لا يطاق في منزل الرجل بسبب المكرهة الصحية المنبعثة من بئر دورة المياه . دق الرجل الباب بشكل هستيري .. وصرخ بصوت مجلجل مدوٍ ينادي " الهليون " بأعلى صوته .. تجمع الجيران .. السابلة .. المارة .. تساءلوا عن الأمر .. أفهمهم الرجل حقيقة الموقف ، أحس الجميع بأن أمراً ما لا بد وأن حدث .. خاصة بأن أكثرهم أكدوا بأنهم لم يروا ولم يشاهدوا " الهليون " خلال الأيام الثلاثة الماضية . تولى الرجال قرع الباب بقوة .. بدون جدوى .. قرروا تحطيم الباب الخارجي للمنزل .. واقتحام البيت لاستطلاع الأمر .. تم لهم ما أرادوا .. تهاوى الباب الخارجي تحت ضرباتهم القوية المتتالية .. دخلوا باحة المنزل .. ارتفع النداء من الجميع .. راحوا يصرخون بصوت مجلجل : - " هليون " .... " هليون " ... هليون " .. لم يرد عليهم أحد ... قرروا اقتحام الحجرة الوحيدة في المنزل المتواضع .. حطموا باب الحجرة بقوة .. وما كادوا يفعلون حتى ... حتى كانت رائحة كريهة نفاذة تهاجم خياشيمهم بقوة غريبة .. الرائحة الكريهة تملأ المكان .. وتكاد أن تزهق الأرواح والأنفاس برائحتها النفاذة القاتلة . سرب من الجرذان الضخمة وبنات عرس كان يفر من المكان بسرعة .. ركز الجميع أبصارهم فوق السرير المتواضع .. يشهقون .. يغطون أنوفهم وأفواههم بأطراف ثيابهم وهم يفرون من المكان صارخين : - " الهليون " مات ... " الهليون " مات . أهل الخير والمروءة من أبناء الحيّ والجيران .. تقاطروا على المنزل .. أخرجوا جثة " الهليون " التي أخذت في التحلل .. والتي نهشتها الجرذان في أكثر من موضع .. ويبدو بأن الرجل قد توفي قبل أيام ثلاثة أو أكثر بقليل .. توفي وحيداً . قام أهل الخير والمروءة والشهامة بتغسيل الرجل " الهليون " وتكفينه .. ثم الصلاة عليه .. ومن ثم نقله إلى المقبرة .. " مقبرة الشيخ رضوان " ووضعه في اللحد .. وتم كل ذلك على نفقة أهل الخير والإحسان . ... يتبع ... | |
|