قبة المعراج لم يحظى مكان في فلسطين وربّما في العالم الإسلامي بما حظيت به ساحات المسجد الأقصى ، حيث وفد إليها العلماء والمجاهدون ، وتنافس فيها الأمراء والسّلاطين ، فجانب المعالم الأثريّـة العظيمة التي تحدّثت عنها أنشئت قباب ومآذن وأروقة ومحاريب ومساطب وأبواب ومدارس وسبل وآبار بقيت شاهدة وناطقة بلسان الأجداد الأوفياء ،
تحدّثنا وهي صامته ، وتستنطقنا بكل معاني الجمال والإبداع وهي ثابتة . فما أعظمك أيّها المسلم وأنت تجلس تحت قبّـة من القباب أو معلم من المعالم تتأمّل فيه وتقرأ نقشه لتعيد إلى ذاكرتك وإلى أمتك أنّ حقنا محفور في الصّخر وأنّ الأيّام دول وأنّ النّصر مع الصّبر وأنّني في هذه الحلقة سأعيش أنا وإيّاك في ظلال قبّة المعراج .
الموقع : تقع هذه القبّـة على سطح صحن الصّخرة غربي قبّـة الصّخرة وبينها وبين قبّـة الصّخرة تقع قبّـة النّبي إلى الشّمال قليلاً ، وقد استخدمت عدّة استخدامات منها مكتبة لدار الحديث وهي اليوم تستخدم من قبل لجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك .
وصفها : قبّـة مثمّنة الأضلاع ، تقوم على ثلاثين عموداً من الرّخام ، وقد فتح في جهتها الشّمالية باباً وأقيم في جدارها القبلي محراباً ، وعلى ما يبدوا أنّ شكل القبّـة لم يتغيّر منذ إنشائها في الفترة الأيوبيّـة ، ويبدوا أنّ الرّخام الذي أحاط بها أضيف إضافة لها ، حيث نشاهد بعض التيجان والأعمدة قد غطّى الرّخام قسماً منها ، وهناك إعادة استخدام لبعض العناصر المعماريّة مثل التيجان والأعمدة والتي كانت موجودة في الفترة الصليبيّـة ، ولكنّها بالتأكيد منبر أيّوبي ، وقد أكّد هذا المبنى أنّ المحراب أصيلٌ في المنبر ولم يضف إضافة وكذلك النّقش ، وهذا ما أثبته د. محمود الهوّاري في رسالته عن المباني الأيوبيّـة في القدس . 3 0
العلامات المميزة فيها : وصفها فضل الله العمري في مسالك الأبصار فقال " بني عليها قبّـة مثمّنة ، تسمّى قبّة المعراج 0000 يصعد إلى بابها بثلاث درجات من الرّخام ثم ينزل إلى داخلها بمثلهنّ " ومّما زادها جمالاً وروعة قبّـة صغيرة انتصبت على أعلى القبّـة فكانت تاجاً معماريّـاً فريداً .
تاريخ الإنشاء : ذكر مجير الدّين أنّ قبّة المعراج قديمة واندثرت ثمّ قام بتجديد بنائها متولّي القدس الشّريف في سنة 597 هـ ـ 1200 م ، وأمّا زخرفة المحراب فكانت في سنة 1195 هـ الموافق 1781 م ومن المؤكّد أنّ القبّـة أعيدت عمارتها في الفترة الأيوبيّة في عهد السّلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بإشراف الأمير الزنجيلي متولي القدس وهذا ما جاء في النّقش الموجود فوق المدخل الرئيسي وهو " بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على محمّد نبيّه وآله وسلّم وما تفعلون من خير يعلمه الله ومن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ، هذه قبّـة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي ذكرها أهل التاريخ في كتبهم تولّى إظهارها بعد عدمها وعمارها بعد دثارها ، بنفسه وحالة الفقير إلى رحمة ربّـه الأمير الأجلّ الأسفهسلا الكبير الأوحد الأعزّ الأخص الأمنّ المجاهد الغازي المرابط عز الدين جمال الإسلام ، سعيد السّعداء سيف أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن علي بن عبد الله الزنجيلي متولّي القدس الشّريف ، وذلك في شهور سنة سبع وتسعين وخمسمائة " .
سـبب التسمية والقداسـة : كثرت الروايات التي تحدّثت عن أنّ المعراج كان عن يمين الصخرة المشرّفة ولم تثبت هذه الروايات بشكل صحيح ، وقد سميت هذه القبّة نسبة إلى ذلك ووضع فيها المحراب وقامت بها الأدعية والأذكار ، وممّا لا شكّ فيه أنّ العديد من الصّحابة والأولياء والصّالحين قدموا إلى المسجد الأقصى للزّيارة والصّلاة حتّى قيل لبشر الحافي : لم يفرح الصالحون ببيت المقدس ؟ قال : لأنّها تذهب الهمّ ولا تشتغل النّفس بها ، وقال: ما بقي عندي من لذّات الدّنيا إلاّ أن أستلقي على جنبي تحت السّماء بجامع بيت المقدس وإلى أن نستظلّ بظلال سماء قبّـة أيوبيّـة أخرى
لكم منّـي أجمل تحيّـة